فصل: قال سيد قطب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكنا إذا رأينا أحدًا أصاب منها شيئًا خفنا عليه. وإن لم يصب منها شيئًا رجوناه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {يَتِرَكُمْ} قال: يظلمكم.
وأخرج سعيد بن منصور. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن مردويه (عن أبي هريرة) قال: لما نزلت: {وَإِن تَتَولواْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} قالوا: من هؤلاء؟ وسلمان إلى جانب النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: هم الفرس. هذا وقومه.
وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي وقد تفرّد به. وفيه مقال معروف.
وأخرجه عنه عبد الرزاق. وعبد بن حميد. والترمذي. وابن جرير. وابن أبي حاتم. والطبراني في الأوسط. والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {وَإِن تَتَولواْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تو لينا استبدلوا بنا. ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان. ثم قال: «هذا وقومه. والذي نفسي بيده لوكان الإيمان منوطًا بالثريا لتناوله رجال من فارس». وفي إسناده أيضًا مسلم بن خالد الزنجي.
وأخرج ابن مردويه من حديث جابر نحوه. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَيَقول الَّذِينَ آمنوا لولا نُزِّلَتْ سُورَةٌ} أي: تأمرنا بجهاد أعداء الله من الكفار {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ} أي: مبيّنة لا تقبل نسخًا ولا تأويلًا {وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ} أي الأمر بقتال المشركين: {رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أي: شك في الدين. وضعف في اليقين: {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} أي: من فزعهم. ورعبهم. وجبنهم من لقاء الأعداء. شبه نظرهم بنظر المحتضر الذي لا يطرف بصره: {فَأولى لَهُمْ} قال الشهاب: اختلف فيه. بعد الاتفاق على أن المراد به التهديد. والوعيد. على أقوال:
فذهب الأصمعي إلى أنه فعل ماض بمعنى قارب. وقيل: قرّب بالتشديد. ففاعله ضمير يرجع لما علم منه. أي: قارب هلاكهم. والأكثر أنه اسم تفضيل من الولي. بمعنى القرب. وقال أبو علي: إنه اسم تفضيل من الويل. والأصل أو يل. فقلب. فوزنه أفلع. وردّ بأن الويل غير متصرف. وأن القلب خلاف الأصل. وفيه نظر. وقد قيل: إنه فَعلى. من ال يؤول. وقال الرضي: إنه علم للوعيد. وهو مبتدأ. ولهم خبره. وقد سمع فيه أولاة بتاء تأنيث. وهو كما قيل. يدل على أنه ليس بأفعل تفضيل. ولا أفعل فُعلى. وأنه علم وليس بفعل. بل مثل أرمل وأرملة. إذا سمي بهما. فلذا لم ينصرف. ولا اسم فعل؛ لأنه سمع فيه أولاةٌ معربًا مرفوعًا. ولوكان اسم فعل بني. وفيه أن لا مانع من كون أولاة. لفظا آخر بمعناه. فلا يرد شيء منه عليهم أصلًا. كما جاء أول أفعل تفضيل. واسم ظرف كـ: قبل. وسمع فيه أولة- كما نقله أبو حيان- فلا يرد النقص به كما لا يخفى. انتهى.
قال السمين: إذا قلنا باسميته. ففيه أوجه:
أحدهما- أنه مبتدأ. ولهم خبره. تقديره: فالهلاك لهم.
والثاني- أنه خبر مبتدأ مضمر. تقديره: العقاب أو الهلاك أولى لهم. أي: أقرب وأدنى. ويجوز أن تكون اللام بمعنى الباء. أي: أولى وأحق لهم.
الثالث- أنه مبتدأ. ولهم متعلق به. واللام بمعنى الباء. وطاعة خبره. والتقدير: فأولى بهم طاعة دون غيرها. وقوله تعالى: {طَاعَةٌ وَقول مَّعْرُوفٌ} فيه أوجه:
أحدها- أنه خبر أولى على ما تقدم.
الثاني- أنها صفة السورة. أي: فإذا أنزلت سورة محكمة طاعة. أي: ذات طاعة. أو مطاعة. ذكره مكيّ. وأبو البقاء. وفيه بعد. لكثرة الفواصل.
الثالث- أنها مبتدأ. وقول عطف عليها. والخبر محذوف. تقديره: أمثل بكم من غيرهما. وقدّره مكيّ: منا طاعة. فقدّره مقدمًا. الرابع- أن يكون خبر مبتدأ محذوف. أي: أمرنا طاعة.
الخامس- أن لهم: خبر مقدم. وطاعة: مبتدأ مؤخر. والوقف والابتداء يعرفان مما قدمته. فتأمل- أفاده السمين-.
{فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ} أي: جد الحال. وحضر القتال: قال أبو السعود: أسند العزم. وهو الجد إلى الأمر. وهو لأصحابه. مجازًا. كما في قوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17]. وعامل الظرف محذوف. أي: خالفوا وتخلفوا. وقيل ناقضوا. وقيل: كرهوا. وقيل: هو قوله تعالى: {فلو صدقوا اللَّهَ} على طريقة قولك: إذا حضرني طعام. فلوجئتني لأطعمتك. أي: فلوصدقوه تعالى فيمل قالوه من الكلام المنبئ عن الحرص على الجهاد. بالجري على موجبه: {لَكَانَ} أي: الصدق: {خَيْرًا لَّهُمْ} أي: في عاجل دنياهم. واجل معادهم. قيل: فلوصدقوه في الإيمان. وواطأت قلوبهم في ذلك ألسنتهم. وأيًّا ما كان. فالمراد بهم الذين في قلوبهم مرض. وهم المخاطبون بقوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوليْتُم} أي: أعرضتم عن تنزيل الله تعالى. وفارقتم أحكام كتابه. وما جاء به رسوله: {أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} أي: بالتغأو ر والتناهب: {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} أي: تعودوا لما كنتم عليه في جاهليتكم من التشتت والتفرق. بعد ما جمعكم الله بالإسلام. وألف به بين قلوبكم. وأمركم بالإصلاح في الأرض. وصلة الأرحام. وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال. وبذل الأموال. وقد ساق ابن كثير هنا من الأحاديث في صلة الرحم لباب اللباب.
{أولئِكَ} إشارة إلى المذكورين: {الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ} أي: عن استماع الحق لتصامهم عنه بسوء اختيارهم: {وأعمى أَبْصَارَهُمْ} أي: لتعاميهم عما يشاهدونه من الآيات المنصوبة في الأنفس. والافاق.
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القرآن} قال ابن جرير: أي: أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي يعظهم بها في أي: القرآن الذي أنزله على نبيه عليه السلام. ويتفكرون في حججه التي بينها لهم في تنزيله. فيعلموا بها خطأ ما هم عليه مقيمون {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} أي: فلا يصل إليها ذكر. ولا ينكشف لها أمر. وتنكير القلوب للإشعار بفرط جهالتها ونُكرها. كأنها مبهمة منكورة. والأقفال مجاز عما يمنع الوصو ل. وإضافتها إلى القلوب لإفادة الاختصاص المميز لها عما عداها. وللإشارة إلى أنها لا تشبه الأقفال المعروفة؛ إذ لا يمكن فتحها أبدًا.
{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم} أي: عادوا لما كانوا عليه من الكفر: {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى} أي: الحق بواضح الحجة: {الشَّيْطَانُ سول لَهُمْ} أي: زين لهم ارتدادهم وحملهم عليه: {وَأَمْلَى لَهُمْ} أي: ومدّ لهم في الامال والأماني. أوأمهلهم الله تعالى. فمد في اجالهم. ولم يعاجلهم بالعقوبة. والمعنى: الشيطان سول لهم. والله أملى لهم.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قالوا لِلَّذِينَ كَرِهوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ}.
{ذَلِكَ} إشارة إلى ما ذكر من ارتدادهم {بِأَنَّهُمْ} أي: بسبب أنهم: {قالوا} أي: المنافقون: {لِلَّذِينَ كَرِهوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ} أي: لليهود الكارهين لنزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ} أي: بعض أموركم. أو ما تأمرون به كالقعود عن الجهاد. والتظاهر على الرسول. أو الخروج معهم إن أخرجوا. كما أوضح ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقولونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ولا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ} [الحشر: 11]. وهم بنوقريظة. والنضير الذين كانوا يوالونهم ويوادّونهم {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} أي: إخفاءهم لما يقولونه لليهود.
{فَكَيْفَ} أي: يفعلون ويدفعون ضرر الردة عليهم: {إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ} أي: التي ولوها عن الله إلى أعدائه: {وَأَدْبَارَهُمْ} أي: التي ولوها عن الأعداء إلى الله {ذَلِكَ} أي: التوفي الهائل: {بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ} أي: من إطاعة أعدائه {وَكَرِهوا رِضْوَانَهُ} أي: في معاداتهم. فأدى بهم إلى الردة: {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} أي: التي كانت تفيدهم النجاة من ذلك الضرب. ومن الفضائح الدنيوية.
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي: نفاق تفرع منه أضغان على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: {أَن لَّن يُخْرِجَ} أي: يظهر: {اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ} أي: أحقادهم لرسوله وللمؤمنين. فتبقى أمورهم مستورة. والمعنى: أن ذلك مما لا يكاد يدخل تحت الاحتمال.
{ولو نشاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ} أي: لعرّفناكهم بدلائل تعرفهم بأعيانهم معرفة متاخمة للرؤية: {فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ} أي: بعلامتهم التي نسمهم بها: {ولتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول} أي: أسلوبه وما يرمون من غير إيضاح به.
قال في (الإكليل): استدل بالآية من جعل التعريض بالقذف موجبًا للحد.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} أي: فيجازيكم بحسب قصدكم {ولنبلونكم حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ} أي: أهل المجاهدة في سبيل الله. والصبر على المشاق: {وَنَبْلُوأَخْبَارَكُمْ} أي: أفانين أقوالكم. وضروب بياناتكم. وأعمال قوة ألسنتكم في نشر الحق. والصدع به. والدأب عليه. هل هو متمحض لذلك. أم فيه ما فيه من المحاباة خيفة لوم اللائم.
قال القاشاني: علم الله تعالى قسمان: سابقٌ على معلوماته إجمالًا في لوح القضاء. وتفصيلًا في لوح القدر. وتابع إياها في المظاهر التفصيلية من النفوس البشرية. والنفوس السماوية الجزئية. فمعنى: {حَتَّى نَعْلَمَ} حتى يظهر علمنا التفصيليّ في المظاهر الملكوتية والأنسية. التي يثبت بها الجزاء- والله أعلم-.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} أي: فتذهب سدى. لا تثمر لهم نفعًا.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرسول ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} أي: لكن يعذبهم ويعاقبهم.
{فَلَا تَهِنُوا} أي: فلا تضعفوا أيها المؤمنون بالله عن جهاد الذين اعتدوا عليكم. وصدوا عن سبيل الله {وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} أي: الصلح والمسالمة: {وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ} أي: الأغلبون. فإن كسح الضلال من طريق الحق لا منتدح عنه. ما تيسرت أسبابه. وقهرت أربابه: {وَاللَّهُ مَعَكُمْ} أي: بنصره ما تمسكتم بحبله: {ولن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أي: لن ينقصكم ثوابها ويضيعها.
{إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ولهو} أي: فلا تدعكم الرغبة في الحياة إلى ترك الجهاد: {وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} أي: ثواب إيمانكم وتقواكم: {ولا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} أي: لأنه غني عنكم. وإنما يريد منكم التوحيد. ونبذ الأوثان. والطاعة لما أمر به ونهى عنه.
قال بعض المفسرين: أي: لا يسألكم جميع أموالكم. بل يقتصر منكم على جزء يسير. كربع العشر وعشره. إشارة إلى إفادة الجمع المضاف للمعلوم. وهو معطوف على الجزاء. والمعنى: إن تؤمنوا لا يسألكم الجميع. أي: لا يأخذه منكم. كما يأخذ من الكفار جميع أموالهم. ولا يخفى حسن مقابلته لقوله: {يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} أي: يعطكم كل الأجور. ويسألكم بعض المال- هذا ما قاله الشهاب-.
والظاهر أن المراد بيان غناه تعالى عن عباده. وأن طلب إنفاق الأموال منهم. لعود نفعه إليهم لا إليه. لاستغنائه المطلق. فإن في الصدقات دفع أحقاد صدور الفقراء عنهم. وفي بذله للجهاد دفع غائلة الشرور والفساد. وكله مما يعود ثمرته عليهم.
ثم أشار تعالى إلى حكمته. ورحمته في عدم سؤاله إنفاق أموالهم كلها. بقوله: {إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} أي: فيجهدكم بالمسألة. ويلح عليكم بطلبها منكم. تبخلوا بها وتمنعوها. ضنًّا منكم بها. ولكنه علم ذلك منكم. ومن ضيق أنفسكم. فلم يسألكموها.
قال الزمخشري: الإحفاء المبالغة. وبلوغ الغاية في كل شيء. يقال: أحفاه في المسألة. إذا لم يترك شيئًا من الإلحاح. وأحفى شاربه. إذا استأصله.
{وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} أي: أحقادكم. وكراهتكم لدينٍ يذهب بأموالكم. وضمير يخرج لله تعالى. ويعضده القراءة بنون العظمة. أوللبخل لأنه سبب الأضغان. وقرئ يخرج من الخروج. بالياء والتاء. مسندًا إلى الأضغان.
{هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: في جهاد أعدائه. ونصرة دينه: {فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ} أي: بالنفقة فيه {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} أي: يمسكه عنها. لأنه يحرمها الأجر. ويكسبها الوزر: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ} أي: عن كل ما سواه. وكل شيء فقير إليه. ولهذا قال سبحانه: {وَأَنتُمُ الفقراء} أي: بالذات إليه. فوصفه بالغنى وصف لازم له. ووصف الخلق بالفقر وصف لازم لهم. لا ينفكون عنه. أي: وإذا كان كذلك. فإنما حضكم في النفقة في سبيله ليكسبكم بذلك. الجزيلَ من ثوابه. وليعلم أن سبيل الله يشمل كل ما فيه نفع وخير. وفائدة. وقربة. ومثوبة. وإنما اقتصر المفسرون على الجهاد لأنه فرده الأشهر. وجزئيه الأهم. وقت نزول الآيات. وإلا فلا ينحصر فيه.
{وَإِن تَتَولوا} أي: عما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم: {يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} أي: يهلككم ثم يأتي بقوم آخرين غيركم. بدلًا منكم. يؤمنون به. ويعملون بشرائعه.
{ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} أي: لا يبخلوا بما أُمروا به من النفقة في سبيل الله. ولا يضيعون شيئًا من حدود دينهم. ولكنهم يقومون بذلك كله. على ما يؤمرون به. اهـ.

.قال سيد قطب:

{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)}.
افتتاح يمثل الهجوم بلا مقدمة ولا تمهيد! وإضلال الأعمال الذي يواجه به الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله. سواء صدوا هم أم صدوا وصدوا غيرهم- يفيد ضياع هذه الأعمال وبطلانها.
ولكن هذا المعنى يتثمل في حركة. فإذا بنا نرى هذه الأعمال شاردة ضالة. ونلمح عاقبة هذا الشرود والضلال. فإذا هي الهلاك والضياع. وهي حركة تخلع ظل الحياة على الأعمال. فكأنما هي شخوص حية أضلت وأهلكت. وتعمق المعنى وتلقي ظلاله. ظلال معركة تشرد فيها الأعمال عن القوم. والقوم عن الأعمال. حتى تنتهي إلى الضلال والهلاك!
وهذه الأعمال التي أضلت ربما كان المقصود منها بصفة خاصة الأعمال التي يأملون من ورائها الخير. والتي يبدوعلى ظاهرها الصلاح. فلا قيمة لعمل صالح من غير إيمان. فهذا الصلاح شكلي لا يعبر عن حقيقة وراءه. والعبرة بالباعث الذي يصدر عنه العمل لا بشكل العمل. قد يكون الباعث طيبًا. ولكنه حين لا يقوم على الإيمان يكون فلتة عارضة أونزوة طارئة. لا يتصل بمنهج ثابت واضح في الضمير. متصل بخط سير الحياة العريض. ولا بناموس الوجود الأصيل. فلا بد من الإيمان ليشد النفس إلى أصل تصدر عنه في كل اتجاهاتها. وتتأثر به في كل انفعالاتها. وحينئذ يكون للعمل الصالح معناه. ويكون له هدفه ويكون له اطراده وتكون له اثاره وفق المنهج الإلهي الذي يربط أجزاء هذا الكون كله في الناموس؛ ويجعل لكل عمل ولكلٍّ حركة وظيفة وأثرًا في كيان هذا الوجود. وفي قيامه بدوره. وانتهائه إلى غايته.